فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فهؤلاء يروْن في السورة تكرارًا يتنافى وبلاغةَ القرآن الكريم.. نقول: ليس في السورة تكرار لو تأملتُم.. ففي السورة قَطْع علاقات على سبيل التأبيد والاستمرار، فالحق سبحانه يقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6].
في الحاضر، وفي المستقبل، وإلى يوم القيامة.
فقوله: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 2-3].
وهذا قَطْع علاقات في الوقت الحاضر.، ولكن مَنْ يُدرِينا لعلَّنا نستأنف علاقات أخرى فيما بعد.. فجاء قوله تعالى: {وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 4-5].
لا للتكرار، ولكن لقطع الأمل في إعادة العلاقات في المستقبل، فالقضية إذن منتهية من الآن على سبيل القَطْع.
كذلك المعنى في قوله تعالى: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: 73].
أي: لا يستطيعون الآن، ولا في المستقبل.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}.
الأمثال: جمع مِثْل، وهو النِّد والنظير.
وفي الآية نَهْي عن أن نُشبِّه الله سبحانه بشيء آخر؛ لأن الحق تبارك وتعالى واحدٌ في ذاته، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.. إياك أن تقول عن ذات: إنها تشبه ذاته سبحانه، أو صفات تشبه صفاته سبحانه، فإنْ وجدت صفة لله تعالى يُوجد مثلها في البشر فاعلم أنها على مقياس. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
فالحق سبحانه ينهانا أنْ نضرب له الأمثال، إنما هو سبحانه يضرب الأمثال؛ لأنه حكيم يضرب المثَل في محلّه لِيُوضّح القضية الغامضة بالقضية المشاهدة؛ ولذلك يقول تعالى: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} [النحل: 60].
أي: الصفة العليا في كل شيء، فإذا وجدتَ صفات مشتركة بينكم وبين الحق سبحانه فنزِّه الله عن الشبيه والنظير والنِّد والمثيل وقل: {ليس كمثله شيء}.
فأنت موجود والله موجود، ولكن وجودك مسبوقٌ بعدم ويلحقه العدم، ووجوده سبحانه لا يسبقه عدم ولا يلحقه العدم.
وقد ضرب الله لنا مثلًا لنفسه سبحانه لِيُوضِّح لنا تنويره سبحانه للكون، وليس مثَلًا لنوره كما نظنّ.. بل هو مثَل لتنويره لا لنوره.
يقول تعالى في سورة النور: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ} [النور: 35].
نور السموات والأرض؛ لأنه بالنور تكون الهداية حِسّية أو معنوية.. فالنور الحسِّيُّ مثل نور الشمس والقمر وغيرهما من مصادر الضوء.. هذا النور الحسي هو الذي يُبيّن لنا الأشياء لتسير في الكون على بصيرة وهدى.. فلو حاولتَ السَّيْر ليلًا دون ضَوْء يهديك فسوف تصطدم بالأشياء من حولك: إما أقوى منك يُحطّمك ويُؤذيك، وإما تكون أنت أقوى منه فتُحطِّمه أنت.. فالذي يهدي خُطَاك هو النور الحسيُّ.
وقد يكون النور معنويًا، وهو نور القيَم والأخلاق، وهذا النور يجعلك أيضًا تسير في الحياة على بصيرة وهُدًى، ويحميك من التخبّط في مجاهل الأفكار والنظريات، هذا هو النور القِيَمي الذي أنزله الله لنا في كتابه الكريم، وقال عنه: {قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكتاب وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُمْ مِّنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ الظلمات إِلَى النور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15-16].
فهو نور لكن معنوي.. بالقيم والأخلاق والفضائل.، ولا تقُلْ في هذا المثل: إنه مَثَلٌ لنور الله.. بل مَثَلٌ لسلطان تنويره للكون، ولو تأمَّلنا بقية الآية لأدركنا ذلك.
{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35].
البعض يقولون: المشكاة هي المصباح.. لا.. المشكاة هي الكُوّة أو الطاقة المسدودة في الجدار يعرفها أهل الريف في بِنَاياتهم القديمة، وهي تجويف غير نافذ في الجدار يُوضَع فيه المصباح. {المصباح فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35].
أي: ليس مصباحًا عاديًا بل في زجاجة، وهي تحمي ضَوْء المصباح أنْ يبعثره الهواء من كل ناحية، وفي نفس الوقت تسمح له بالقدر الكافي من الهواء لاستمرار الاشتعال، وبذلك يكون الضوء ثابتًا صافيًا لا يصدر عنه دُخان يُعكِّر صَفْو الزجاجة.
وأهل الريف يعرفون شعلة الجاز التي ليس لها زجاجة، وما يصدر عنها من دُخان أسود ضارّ.. إذن: المصباح هنا في غاية الصفاء والقوة؛ لأن الزجاجة أيضًا ليستْ زجاجة عادية، بل زجاجة كأنها كوكب دُريٌّ، وكَوْنها كالكوكب الدريّ يعني أنها تُضِيء بنفسها. {الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [النور: 35].
هذا المصباح يُوقد بزيت ليس عاديًا، بل هو زيت من زيتونه.. شجرة زيتون معتدلة المناخ. {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35].
هذا الزيت وصل من الصفاء والنقاء أنه يُضيء، ولو لم تمسسه نار؛ ولذلك أعطانا منتهى القوة: {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35].
ولذلك قال تعالى في وصف هذا المصباح: {نُّورٌ على نُورٍ} [النور: 35].
وبعد أنْ وقفتَ على أوصاف هذا المصباح، وأنه يُوضَع في كُوَّة صغيرة، بالله عليك هل يمكن وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة؟
إذن: فهذا مَثَلٌ ليس لنوره سبحانه.. فنُوره لا يُدرَكُ، وإنما هو مثَلٌ لتنويره للكون، الذي هو كالكُوّة والطاقة في هذا المثل.. فمعنى قوله تعالى: {الله نُورُ السماوات والأرض} [النور: 35].
أي: مُنِّورهما، فكما أنه لا يُعقل وجود نقطة مظلمة في هذه الكُوّة، فكذلك نوره سبحانه وتنويره للكون.، وهذا هو النور الحسيّ الذي أمدَّ الله به الكون.
ثم تحدَّث القرآن بعد ذلك عن النور المعنوي الذي يُنزِل على عباد الله الصالحين تجليّاتٍ نورانية، وفيُوضاتٍ ربانية نتلقّاها في بيوت الله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسمه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ} [النور: 36-37].
وهكذا نجمع بين النور الحسيّ والنور المعنوي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك، فأبو تمام حينما أراد أن يمدح الخليفة شبَّهه بمشاهير العرب في الشجاعة والكرم والحِلْم والذكاء، فقال:
إقْدام عَمْروٍ في سَمَاحَةِ حَاتِم ** فِي حِلْم أَحْنَفَ في ذَكَاء إِيَاسِ

فاعترض على هذا التشبيه أحد حُسَّاد أبي تمام، وقال له: كيف تُشبّه الخليفة بأجلاف العرب؟ ففي جيشه ألف واحد كعمرو، ومن خَزَنته ألف واحد كحاتم.، ولكن يخرج أبو تمام من هذا المأزق، ويُفلِت من هذا الفخ الذي نصبه له حاسده، قال على البديهة:
لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي لَهُ مَنْ دُونَهُ ** مَثَلًا شَرُودًا في النَّدى والبَاسِ

فَاللهُ قَدْ ضربَ الأقَلَّ لِنُورِه ** مثَلًا مِنَ المشْكَاةِ وَالنِّبْراسِ

والحق سبحانه وتعالى وإنْ نهانا نحن أن نضربَ له مثلًا لِقلَّة عِلْمنا، فهو سبحانه القادر على ضَرْب الأمثال حتى بأقلّ المخلوقات، وأتفهها في نظرنا.
. فيقول تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26].
فلا تستقلّ أمر هذه البعوضة، ولا تستحقر أنْ يجعلها الله مثَلًا؛ لأنه سبحانه لا يستحي أن يضرب بها المثل؛ لأن في هذه البعوضة كل أجهزة تكوين الحياة التي فيك، وفي أضخم الحيوانات مثل الفيل والجمل؛ ولأن هذه البعوضة التي تستحقرها قد تكون أقوى منك، وقد تُعجِزك أنت على قوتك وحيلتك وجبروتك.
يقول تعالى: {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73].
بالله عليك، هل تستطيع على قوتك وإمكاناتك أنْ تستردَ من الذبابة ما أخذتْه من طعامك؟ هل تقدر على هذه العملية؟
إذن: حينما يضرب الله لك مَثَلًا يجب أن تحترم ضَرْب الله للمثل، وأنْ تبحثَ فيما وراء المثل من الحكمة.، وأنه سبحانه جاء بهذا المثَل لهذا المخلوق الحقير في نظرك لِيُوضِّح لك قضية غامضة يُنبِّهك إليها.
ولأهمية ضَرْب المثَل في توضيح الغامض يلجأ إليه الشعراء ليُقرِّبوا المعنى من الأفهام، فقد يقف الشاعر أمام قضية معقدة لا يدركها إلا العقلاء، ويريد الشاعر الوصول بها إلى أفهام العامة.. مثل قضية الحاسد الذي يُظهر بحسده مزايا محسوده ومكارمه، فقد يتهم البريء بتهمة ظلمًا، فتكون سببًا في رِفْعته بين قومه.
أخذ الشاعر العربي هذا المعنى، وصاغه شعرًا، وضرب له مثلًا توضيحيًا، فقال:
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلةٍ طُويَتْ ** أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ

لَوْلاَ اشْتِعالُ النَّارِ فِيمَا جَاورَتْ ** مَا كانَ يُعرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ

فانظر كيف وصل بالقضية المعنوية إلى قضية عامة يعرفها الرجل العادي، فقد يكون لديك فضيلة مكتومة مغمورة لا يعرفها أحد، حتى تتعرض لحاسد يتهمك ويُشوِّه صورتك، فإذا بالحقيقة تتكشف للجميع ويُظهر ما عندك من مواهب، وما لديك من فضائل.، وما أشبه ذلك بالعود طيب الرائحة الذي لا نشمُّ رائحته إلا إذا حرقناه.
وقد كان سبب هذا المثَل الشِّعريّ أن أحد أهل الخير كان يتردد من حين لآخر على أحد بُيوت البلدة وبها عجوز مُقْعدة في حاجة إلى مساعدة، فكان يساعدها بما يستطيع، وكان بجوارها منزل إحدى الجميلات التي قد تكون مطمعًا.. فاستغل أحد الحُسَّاد هذه الجيرة، واتهم الرجل الصالح بأنه يذهب إلى هذه الحسناء.، وفعلًا تتبعه الناس، فإذا به يذهب لبيت العجوز المقعدة.، ومن هنا عرف الناس عنه فضيلةً لم يكن يعرفها أحد.
وقد رأينا على مَرَّ التاريخ مَنِ اتهِمُوا ظلمًا، وقيل في حقهم ما يندي له الجبين.. ثم أنصفهم القضاء العادل، وأظهر أنهم أبطال يستحقون التكريم، ولولا ما تعرضوا له من اتهام ما عرفنا مزاياهم ومكارمهم.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 74].
وهذه عِلّة النهي عن ضَرْب الأمثال لأننا لا نعلم، أما الحق سبحانه وتعالى فيضرب لنا الأمثال؛ لأنه سبحانه يعلم، ويأتي بالمثَل في محلّه. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله: {وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين}.
أي: لا تقولوا، ولا تصفوا إلهين اثنين، أي: نفسه، والأصنام.
ويقال: نزلت الآية في صنف من المجوس، إنهم وصفوا إلهين اثنين.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ فإياي فارهبون} أي: فاخشوني، ووحدوني، وأطيعوني، ولا تعبدوا غيري {وَلَهُ مَا في السموات} من الملائكة {والأرض} من الخلق، الجن، والإنس، كلهم عبيده وإماؤه {وَلَهُ الدين وَاصِبًا} أي: دائمًا، خالصًا.
ويقال: الألوهية.
والربوبية له خالصًا.
ويقال: دينه واجب أبدًا لا يجوز لأحد أن يميل عنه.
ويقال: معناه: وله الدين والطاعة، رضي العبد بما يؤمر به أو لم يرض، والوصب في اللغة: الشدة والتعب.
ثم قال: {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} أي: تعبدون غيره {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ الله} يعني: إن الذي بكم من الغنى، وصحة الجسم، من قبل الله تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} يعني: الفقر، والبلاء في جسدكم.
{وَمَا بِكُم} يعني: إليه تتضرعون ليكشف الضر عنكم، كما قال في سورة الدخان {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} [الدخان: 12]. {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم} يعني: الكفار {بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي: يعبدون غيره.
قوله: {لِيَكْفُرُواْ بِمَا ءاتيناهم} أي: يجحدوا بما أعطيناهم من النعمة {فَتَمَتَّعُواْ} اللفظ لفظ الأمر والمراد به التهديد، كقوله: {إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في ءاياتنا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يلقى في النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتى ءَامِنًا يَوْمَ القيامة اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40]. يعني: تمتعوا بقية آجالكم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: تعرفون في الآخرة ماذا نفعل بكم.
قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا} أي: يجعلون لآلهتهم نصيبًا من الحرث والأنعام، كقوله: {وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَمِنَ الحرث والانعام نَصِيبًا فَقَالُواْ هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136]، وقوله: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمّا رزقناهم تالله لَتُسْألُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56]. قال بعضهم: يعني: الكفار جعلوا لأصنامهم نصيبًا، ولا يعلمون منهم ضرًا ولا نفعًا.
وبعضهم قال: معناه يجعلون للأصنام الذين لا يعلمون شيئًا نصيبًا، أي: حظًا {مّمّا رزقناهم} من الحرث والأنعام.
قال تعالى: {تالله لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} أي: تكذبون على الله، لأنهم كانوا يقولون إنَّ الله أمرنا بهذا.
قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} يعني: يصفون لله، ويقولون: الملائكة بنات الله {سبحانه} أي: تنزيهًا له عن الولد {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} يعني: الأولاد الذكور.
أي: يصفون لغيرهم البنات، ولأنفسهم الذكور.
ثم وصف كراهتهم البنات لأنفسهم فقال: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بالانثى} يقول: إذا بشر أحد الكفار بالأنثى {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا} أي: صار وجهه متغيرًا من الحزن، والخجل، {وَهُوَ كَظِيمٌ} يعني: مكروبًا، مغمومًا من الحزن، يتردد حزنه في جوفه.
قوله: {يتوارى مِنَ القوم مِن سُوء} يعني: يكتم ما به من القوم.
ويقال: يستر وجهه من القوم، ويختفي من سوء {مَا بُشّرَ بِهِ} أي: ما ظهر على وجهه من الكراهية، ويدبر في نفسه كيف أصنع بها {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ} أي: الأنثى التي ولدت له على هوان يعني: أيحفظه على هوان {أَمْ يَدُسُّهُ فِى} أي: يدقه {التراب أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي: بئسما يفضون به، لأنفسهم الذكور، وله الإناث.
ثم قال: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} أي: المشركين {مَثَلُ السوء} أي: جزاء السوء النار في الآخرة.
ويقال: يعني: عاقبة السوء.